الخميس، 2 أبريل 2009

الغلاء والبعد عن الدين

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ -وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ-: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ)) رواه ابن ماجة وصححه الألباني

فقد بيَّن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ نقص المكيال والميزان -وهو معصية الغش- يُعاقِب الله عزَّ وجلَّ عليها بجدب الأرض (بالسنين)، وغلاء الأسعار (شدة المؤونة)، والفساد الحكومي (جور السلطان).

إن علاقة المسلم بربه محورية، لا في تحديد مصيره في آخرته فحسب، بل في مسار حياته أيضًا، وهل هو شقيٌّ في الدنيا أو سعيد؟

إن الله عزَّ وجلَّ قد وعد من يؤمن به ويتقيه أن ينزل عليه بركات من السماء والأرض، فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].

وهذا هو وعد الله الصادق، الذي رزق بني إسرائيل في الصحراء الجدباء بالمنِّ والسلوى، والذي أخرج الماء فيَّاضًا لموسى عليه السلام من الحجر، والذي رزق المسلمين الخارجين من الصحراء في أشد حالات الفقر الرزقَ الواسع، والخيرات الكثيرة في سنوات قلائل بعد وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

وليس معنى هذا غياب الأسباب الأخرى للغلاء، فهناك الاحتلال الذي يسلُب البلاد الإسلامية خيراتِها، ويتركها خرابًا، كما يفعل اليهودُ بفلسطين، والأمريكان بالعراق؛ مما يجعل أهل البلاد في حالة فقر شديد، فتغلو عليهم الأسعار.

كما أن هناك الكوارث الطبيعية التي تصيب بعض البلاد فجأة؛ فتدمر بنيتها الأساسية، كما حدث في إعصار تسونامي بإندونيسيا، الذي قتل وشرَّد عشرات الآلاف، وهدم آلاف المباني، وأهلك الكثير من المحاصيل والسلع؛ مما أصاب الأسعار بارتفاع جنوني.

على أنَّ من أسباب الغلاء المهمة أيضًا: عدم قيام الأغنياء بعملهم في المجتمع؛ فالله عزَّ وجلَّ يقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24-25].

وقيام الأغنياء بعملهم الذي ناطه الله عزَّ وجلَّ بهم سبيلٌ مهم لحل مشكلة الغلاء، أمَّا عدم إحساسهم بالمحتاجين؛ فإنه يتركهم فريسة للغلاء والفقر ينهشان فيهم، وكم أضاع الاحتياجُ والعوز من أرواح!! وكم كشف من عوراتِ بيوت كريمة!!

وقد يثور هنا سؤال، وهو: لماذا نقول: إن البعد عن الدين سبب في الغلاء، مع أن غير المسلمين لم يؤمنوا بالإسلام أصلاً، ومع ذلك فهم الأغنياء والسادة؟!!

والجواب: أن غير المسلمين قد وكلهم الله عزَّ وجلَّ إلى الأسباب المادية وحدها؛ فإن أخذوا بها منحهم الله ما يريدون من ثراء وقوة، وإن أهملوا صاروا من الفقراء والمعوزين، أمَّا في الآخرة فلا نصيب لهم إلا النار، يقول تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15-16].

أمَّا المسلمون فإنهم مرتبطون بهذا الدين؛ فإن أقاموه في حياتهم كما يحب الله عزَّ وجلَّ ويريد، فقد سعدوا في الدنيا والآخرة، وعاشوا حياة الرخاء والرَّغَد، وإن قصَّروا في إقامته، أو أداروا ظهورهم إليه؛ فقد خابوا وخسروا، وعاشوا عيشةً ضنكًا، يقول تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 123، 124].

إن الغلاء مشكلة كبيرة، وتحتاج إلى جهد كبير لحلها، ليس للجهل بأسبابها، ولكن لأن الحل مرتبط بنفوس البشر؛ فهو مرتبط بصلاح نفوس المسلمين، وانقيادها لشرع الله عزَّ وجلَّ. كما أنه مرتبط بتغيير نظام اقتصادي عالمي قائم على (الرأسمالية) القاسية القلب، التي لا تعرف الرحمة، ولا تفهم غير المكسب الفاحش بأي سبيل، ومرتبط كذلك بفسادٍ مُستشرٍ كأذرع الأخطبوط.

ولكن ما إن نعُدْ لله عزَّ وجلَّ فسوف يُزِيل عنَّا الغُمَّة، ويصلح أحوالنا. إنه سبحانه القادر على كل شيء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82].



إسلام عبدالتواب